26 - 06 - 2024

تباريح | المزيفون والأبطال

تباريح | المزيفون والأبطال

(أرشيف المشهد)

1-7-2012 | 17:52

للباطل دائمًا صوته العالي وللحق صمته النبيل.

في ثورة يناير خرج الهامشيون وملأوا الدنيا ضجيجًا ببطولاتهم المتوهمة، وخططهم التي صاغوها بأثر رجعي، وأفكارهم التي أحدثت "فتحًا مبينًا"، فيما ذهب المحرِّكون الحقيقيون للثورة إلى بيوتهم صامتين، لم ينتظروا عدسة، ولم يريقوا ماء وجوههم من أجل مقابلة صحفية، كما لم يشاركوا في "التقاتل" على منصب، ولم ينتظروا أن يحققوا لذواتهم شيئًا، فكفاهم ما حققوا لمصر.

هكذا دائمًا في كل شيء.. يذهب النبلاء بنبلهم إلى النسيان، فالأبطال بطبعهم لا يتصورون أنفسهم صنعوا بطولة، بل يعتبرون صنيعهم سرًّا يخشون افتضاحه، بينما يتباهى الصغار بأفعالهم الصغيرة بعد تضخيمها، ويتحولون إلى ذئاب ضارية إذا ما مسَّ أكاذيبهم أحد.

والبطل بطبعه يتسامى ويتسامح إن أساء إليه أحد، أما مدعي البطولة فتعرفه من فجوره في خصومته، والفجور في تعريف الحافظ بن حجر هو "ميل عن الحق واحتيال في رده"، فالفاجر إذا خاصم يبيح لنفسه كل السبل، مشروعة أم غير مشروعة، ويحتال فيها حتى يأخذ ما يتصوره حقًّا له.

وكثيرًا ما تطيش الخصومة بألباب ذويها، على نحو ما يقول الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله - وتدفع أصحابها "لاقتراف الصغائر المسقطة للمروءة"، فعين السخط – حسب تعبيره – "تنظر من زاوية داكنة، فهي تعمي عن الفضائل، وتضخم الرذائل، وقد يذهب بها الحقد إلى التخيل وافتراض الأكاذيب"

ورحم الله الإمام الشافعي حيث يقول:

إذا المرء لا يرعاك إلا كلفا.. فدعه ولا تكثر عليه التأسفا / فما كل من تهواه يهواك قلبه.. ولا كل من صافيته لك قد صفا / إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة.. فلا خير في ود يجيء تكلفا / ولا خير في خل يخون خليله.. ويلقاه من بعد المودة بالجفا / وينكر عيشا قد تقادم عهده.. ويظهر سرا كان بالأمس قد خفا.

خصومتك مع شخص هي اختبار له، بها تعرف ما إن كان شخصًا متساميًا أم دنيئًا، فالجميع وقت المحبة متساوون، لا ترى منهم غير ما يسرك.

لكن يمكن أن تعرفهم من عداواتهم لآخرين، غير أننا كثيرًا ما نتصور أن ما يحدث منهم تجاه غيرنا لا يمكن أن يتكرر معنا.

لن أقول لأحد بعد اليوم كما قال عمر بن الخطاب "تكلَّم حتى أعرفك".. بل سأقول: "حدِّثني عن أعدائك حتى أعرفك".

مقالات اخرى للكاتب

تباريح | مصر ليست مجرد أغنية!





اعلان